فصل: الحديث الخَامِس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا وَقع الذُّبَابُ فِي إناءِ أحدِكم، فامْقُلُوهُ، فَإِن فِي أَحَدِ جَنَاحَيْه شِفَاء، وَفِي الآخرِ دَاء، وإنَّه يُقَدِّم الدَّاء».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، يُروى من طَرِيقين:
أَحدهمَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَوَاهُ: البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنهُ مَرْفُوعا، وَهَذَا لَفظه: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليغمسه كُله، ثمَّ لينزعه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر شِفَاء».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، وَابْن خُزَيْمَة، وَابْن حبَان، فِي صَحِيحهمَا عَنهُ مَرْفُوعا أَيْضا، بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغمسه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء وَفِي الآخر شِفَاء، وإنَّه يَتَّقِي بجناحه الَّذِي فِيهِ الدَّاء، فليغمسه كُله، ثمَّ يَنْزعهُ». وَهَذِه الرِّوَايَة مُوَافقَة لما أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شرابكم، فليغمسه فِيهِ، ثمَّ ليطرحه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر شِفَاء». وَأخرجه الدَّارمِيّ فِي مُسْنده من حَدِيث عبيد بن حنين، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، بِلَفْظ البُخَارِيّ إلاَّ أَنه قَالَ: «سقط» بدل «وَقع». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمامة بن عبد الله بن أنس، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظ البُخَارِيّ، إلاَّ أَنه لم يقل: «ثمَّ لينزعه» ثمَّ قَالَ الدَّارمِيّ: قَالَ غير حَمَّاد: عَن ثُمَامَة، عَن أنس، مَكَان أبي هُرَيْرَة، وَقوم يَقُولُونَ: عَن الْقَعْقَاع، عَن أبي هُرَيْرَة، وَحَدِيث عبيد بن حنين أصح. وَأخرجه ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليمقله، فَإِن فِي أحد جناحيه دَوَاء، وَفِي الآخر دَاء، أَو قَالَ: سم».
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، بِلَفْظ: «فِي أحد جناحي الذُّبَاب سُمٌّ، وَفِي الآخر شِفَاء، فَإِذا وَقع فِي الطَّعَام، فامقلوه فِيهِ، فإنَّه يقدم السم، وَيُؤَخر الشِّفَاء» وكل رِجَاله مخرج لَهُم فِي الصَّحِيح، خلا سعيد بن خَالِد القارظي الْمدنِي، فإنَّ النَّسَائِيّ ضَعَّفه، مَعَ أَنه أخرج لَهُ هَذَا الحَدِيث فِي سنَنه، بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فليمقله».
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يحْتَج بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته لَا جرم أخرجه فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم فامقلوه، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر دَوَاء» وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظِهِ سَوَاء، وَزَاد: «وَإنَّهُ يُؤَخر الدَّوَاء، وَيقدم السم» وَكَذَا أَحْمد، إلاَّ أنَّ لَفظه «وَيُؤَخر الشِّفَاء».
مَعْنَى «امقلوه»: اغمسوه، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
وَله طَرِيق ثَالِث ضَعِيفَة، لَا بَأْس بالتنبيه عَلَيْهَا، وَهِي عَن ثُمَامَة، عَن أنس مَرْفُوعا: «إِذا وَقع الذُّبَاب فِي إِنَاء أحدكُم، فليغمسه فِيهِ، فإنَّ فِي أحد جناحيه دَاء، وَفِي الآخر شِفَاء».
ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله وَقَالَ: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ، فَقَالَا: هَذَا خطأ، وَالصَّحِيح: حَدِيث ثُمَامَة عَن أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: سَأَلت أبي عَنهُ- أَي عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة قيس بن خَالِد عَنهُ- فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب الإِسناد. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: رَوَاهُ ثُمَامَة، عَن أنس مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ ثُمَامَة، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا، وَقَالَ: الْقَوْلَانِ محتملان. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة هُوَ الصَّوَاب.

.الحديث الرَّابِع:

عَن سلمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَا سلمَان كل طَعَام وشراب، وَقعت فِيهِ دابةٌ لَيْسَ لَهَا دم، فَمَاتَتْ، فَهُوَ حلالٌ أَكْلهُ وشربهُ ووضوؤه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فِي سُنَنهمَا، من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، أبي يُحمد- بِضَم الْيَاء، وَأَصْحَاب الحَدِيث فتحوها، كَمَا قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ- عَن سعيد بن أبي سعيد، الزبيدِيّ، عَن بشر بن مَنْصُور، عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن سلمَان بِهِ.
وَهُوَ مَعْلُول من أوجه:
أَولهَا: أَن بَقِيَّة ضَعِيف من وَجْهَيْن، أَحدهمَا: التَّدْلِيس. وَالثَّانِي: الضعْف مُطلقًا. قَالَ الإِمام أَحْمد: إِذا حَدَّث عَن قوم لَيْسُوا بمعروفين فَلَا. أَي: لَا يقبل. وَقَالَ أَبُو مسْهر: أَحَادِيث بَقِيَّة غير نَقِيَّة، فَكُن مِنْهَا عَلَى تَقِيَّة. وَقَالَ ابْن حبَان: سمع من شُعْبَة وَمَالك وَغَيرهمَا أَحَادِيث مُسْتَقِيمَة، ثمَّ سمع من أَقوام كَذَّابين عَن شُعْبَة، وَمَالك، فروَى عَن الثِّقَات بالتدليس مَا سمع من الضُّعَفَاء، وَكَانَ أَصْحَابه يَفْعَلُونَ ذَلِك فِي حَدِيثه، فَلَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: إِذا قَالَ نَا، وأنبأنا فَهُوَ ثِقَة. وَكَذَا قَالَ ابْن معِين، والرازيان: إِذا حدث عَن ثِقَة.
وَأخرج لَهُ مُسلم مستشهدًا بِهِ فِي حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ حَدِيثه عَن الزبيدِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «من دُعِي إِلَى عرس وَنَحْوه فليجب».
قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: لَيْسَ لبَقيَّة فِي الصَّحِيح سواهُ.
وقيل أخرج لَهُ مُسلم مُتَابعَة، وَقيل: أصلا، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي الْأَدَب، خَارج الصَّحِيح، وَاسْتشْهدَ بِهِ فِي الصَّحِيح فِي بَاب: من أخفَّ الصَّلَاة عِنْد بكاء الصَّبِي.
قَالَ ابْن دحْيَة فِي كتاب التَّنْوِير فِي مولد السراج الْمُنِير: الْعجب مِنْهُ كَيفَ أخرج لبَقيَّة فِي صَحِيحه وَهُوَ يُدَلس أقبح التَّدْلِيس، وَكَانَ يُسَوِّي ويحذف اسْم الضَّعِيف، وَقد كَانَ لَهُ رُوَاة يَفْعَلُونَ ذَلِك. قَالَ: وَقد كَانَ أَخَذَ عَلَى مُسلم فِي ذَلِك الحافظُ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، قَالَ: مَعَ أَنه إنَّما خَرَّج عَنهُ من طَرِيق الشاميين، وَرِوَايَته عَنْهُم صَالِحَة عِنْد بَعضهم. قَالَ ابْن عدي فِي كَامِله: إِذا رَوَى بَقِيَّة عَن أهل الشَّام فَهُوَ ثَبت، وَقَالَ ابْن طَاهِر: حكم الْحَافِظ بِأَن بَقِيَّة إِذا رَوَى عَن غير الشاميين لَا يعْتد بروايته.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: مَا يرويهِ بَقِيَّة عَن الضُّعَفَاء والمجهولين لَيْسَ بمقبول مِنْهُ، كَيفَ وَقد أَجمعُوا عَلَى أَن بَقِيَّة لَيْسَ بِحجَّة. هَذَا لَفظه برمتِهِ.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان: بَقِيَّة يدلِّس عَن الضُّعَفَاء، ويستبيح ذَلِك، وَهُوَ- إنْ صحَّ- مُفسد لعدالته. قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: نعم وَالله، صحَّ هَذَا عَنهُ.
وَقَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي أَمَالِيهِ: بَقِيَّة ثِقَة، إلاَّ أَنه يكْتب ويروي عَن كل أحد. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الضُّعَفَاء: بَقِيَّة ثِقَة فِي نَفسه، لكنه يدلِّس عَن الْكَذَّابين.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن سعيد بن أبي سعيد الزبيدِيّ: مَجْهُول، كَمَا قَالَه أَبُو أَحْمد الْحَاكِم، وَكَذَلِكَ ابْن عدي، وَنَقله ابْن الْجَوْزِيّ عَنهُ فِي كِتَابيه: الضُّعَفَاء، والتَّحْقِيق، وأقرَّه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَلَا تنَافِي بَينه وَبَين الأول، لِأَن الْمَجْهُول ضَعِيف أَيْضا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي هَذَا الْبَاب: قَالَ ابْن عدي: الْأَحَادِيث الَّتِي يَرْوِيهَا سعيد الزبيدِيّ عامتها لَيست بمحفوظة. وَقَالَ فِيهَا، فِي بَاب الصَّائِم يكتحل: سعيد الزبيدِيّ من مَجَاهِيل شُيُوخ بَقِيَّة، ينْفَرد بِمَا لَا يُتابع عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: لَا يُعرف، وَأَحَادِيثه سَاقِطَة. وَقَالَ فِي الضُّعَفَاء: قَالَ ابْن عدي: هُوَ مَجْهُول. ثمَّ قَالَ: لاسيما وَقد تفرد عَنهُ بَقِيَّة. وَخَالف الْحَافِظ أَبُو بكر الْخَطِيب فوثقه، فَقَالَ- عَلَى مَا نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام-: إِن اسْم أبي سعيد: عبد الْجَبَّار، قَالَ: وَكَانَ سعيد بن أبي سعيد ثِقَة. قَالَ الشَّيْخ: وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ ضَعِيف. لَا يُريدهُ، وَيُرِيد بَقِيَّة.
وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان، فَذكره فِي ثقاته، وَأَنه من أهل الشَّام، وَأَن أهل بَلَده رووا عَنهُ.
الْوَجْه الثَّالِث: أَن عَلّي بن زيد بن جدعَان: ضَعَّفه ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: كَانَ يقلب الْأَحَادِيث. وَذكر شُعْبَة أَنه اخْتَلَط. وَقَالَ أَحْمد وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: ضَعِيف فِي كل شَيْء. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ ابْن حبَان:
يهم ويخطئ، فَكثر ذَلِك فَاسْتحقَّ التّرْك. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِثَابِت الْبنانِيّ. وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الضُّعَفَاء: حسن الحَدِيث صَاحب غرائب، احْتج بِهِ بَعضهم. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِقَوي. وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَيْء.
الْوَجْه الرَّابِع: أَنه لَا يُعلم متابع لبَقيَّة عَلَيْهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يروه غير بَقِيَّة، عَن سعيد بن أبي سعيد الزبيدِيّ. وَلأَجل هَذِه الْعِلَل، قَالَ الْحَافِظ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ.

.الحديث الخَامِس:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا أُبِيْنَ من حيٍّ، فَهُوَ مَيِّت».
هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة من قَوَاعِد الْأَحْكَام، وَهُوَ مَرْوِيّ من طُرُق، الَّذِي يحضرنا مِنْهَا أَرْبَعَة:
أَولهَا:- وَهِي أقرب إِلَى لفظ الْكتاب- عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئل عَن جِباب أسنمة الإِبل، وأَلَيَات الْغنم، فَقَالَ: مَا قُطِع من حَيّ، فَهُوَ ميت».
رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي موضِعين مِنْهُ، وَقَالَ فِي كتاب الذَّبَائِح- وَهُوَ الْموضع الثَّانِي-: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله- وَقد سُئِلَ عَنهُ-: إنَّه رُوِيَ عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد، وَعَن عَطاء بن يسَار مُرْسلا، وأَن الْمُرْسل أشبه بِالصَّوَابِ.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي وَاقد، الْحَارِث بن عَوْف- وَقيل عَكسه- اللَّيْثِيّ، البدري، قَالَ: «قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وهم يجبونَ أسنمة الإِبل، ويقطعون أَلَيَات الْغنم، فَقَالَ: مَا يُقْطَعُ من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميتَة».
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَكَذَا الدَّارمِيّ فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَلَفظه: أنَّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا قُطِعَ من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت».
وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَلَفظه: كَانَ النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة قبل الإِسلام يَجُبُّون أسنمة الإِبل، ويقطعون أليات الْغنم فيأكلونها، ويحملون مِنْهَا الودك، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَأَلُوهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: «مَا قُطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت».
وَأخرجه أَيْضا أَحْمد فِي مُسْنده وَلَفظه: «قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَبهَا نَاس يَعْمِدُونَ إِلَى أَلَيات الْغنم، وَأَسْنِمَة الإِبل، فيجبونها، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا قُطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة فَهُوَ ميتَة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث زيد بن أسلم. قَالَ ابْن القطَّان: وإنَّما لم يصحِّحه التِّرْمِذِيّ، لِأَنَّهُ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار، وَهُوَ يُضَعَّف، وإنَّ كَانَ البُخَارِيّ قد أخرج لَهُ.
قلت: لَكِن الْحَاكِم رَحِمَهُ اللَّهُ لم يَعْبَأْ بِهَذَا التَّضْعِيف، فَأخْرجهُ فِي الْمُسْتَدْرك كَمَا تقدَّم، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد. قلت: أَي عَلَى شَرط البُخَارِيّ. وَخَالف أَبُو زرْعَة، فَقَالَ- عَلَى مَا نَقله ابْن أبي حَاتِم فِي علله-: إنَّ هَذَا الحَدِيث وهمٌ، وَأَن الصَّحِيح: حَدِيث زيد بن أسلم عَن ابْن عمر. يَعْنِي الْآتِي إِثْر هَذَا، وَفِي ذَلِك نظر. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا قُطِعَ من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَالْبَزَّار فِي مُسْنده وَضَعفه الْحَافِظ عبد الْحق فِي أَحْكَامه الْكُبْرَى فَقَالَ- عَلَى مَا نَقله ابْن القَطَّان فِي علله عَنهُ-: فِي إِسْنَاده هِشَام بن سعد، وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: قد أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَلَيْسَ فِي إِسْنَاده هَذَا الرجل، بل فِيهِ: يَعْقُوب بن حميد بن كاسب الْمدنِي، وَقد تكلَّم فِيهِ النَّسَائِيّ والرازي. وَاخْتلف قَول يَحْيَى فِيهِ، فَمرَّة ضَعَّفه، وَمرَّة وثَّقه. وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب التَّفْسِير من الْمُسْتَدْرك: مَا تَكَلَّم فِيهِ أحدٌ بِحجَّة. وَقَالَ ابْن طَاهِر فِي أَخْبَار الشهَاب: أخرج عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه.
قلت: صَرِيحًا لَا، فَالَّذِي فِيهِ: نَا يَعْقُوب، نَا إِبْرَاهِيم بن سعد. وَالظَّاهِر أَنه هُوَ.
وأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه بِدُونِهِ، فَرَوَاهُ من حَدِيث عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ، عَن عَاصِم بن عمر، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر، مَرْفُوعا: «مَا قُطِع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَالَّذِي قُطع من لَحمهَا فَلَا يَأْكُلهُ أحد».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يَرْوِه عَن عَاصِم بن عمر إلاَّ عبد الله بن نَافِع.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: عبد الله بن نَافِع من كبار أَصْحَاب مَالك، مفتي بِالْمَدِينَةِ، وَيَحْيَى بن الْمُغيرَة، الرَّاوِي عَنهُ: قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: صَدُوق، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين: وَهَذَا الطَّرِيق أَجود من الطَّرِيق الْآتِيَة بعْدهَا.
قلت: من غير شكّ فِي ذَلِك، وَلَا مرية، وَقد أخرجهَا ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة، لَكِن ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي علله هَذِه الطَّرِيق، وَقَالَ: سَأَلت أبي عَنْهَا فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن تَمِيم الدَّارِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يكون فِي آخر الزَّمَان قوم، يجبونَ أسنمة الإِبل، ويقطعون أَلَيات الْغنم، فَمَا قُطِع من حَيّ فَهُوَ ميت».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه كَذَلِك، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ: قيل للنَّبِي: «إِن قوما يجبونَ أسنمة الإِبل، ويقطعون أَذْنَاب الْغنم؟ قَالَ: كلُ مَا قُطِعَ من الحيِّ فَهُوَ ميت».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: قَالُوا: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن نَاسا يجبونَ أسنمة الإِبل، وأذناب الْغنم وَهِي أَحيَاء، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا قُطع من الْبَهِيمَة وَهِي حَيَّة، فَهُوَ ميت».
وَفِي إِسْنَاده واهٍ ومُخْتَلف فِيهِ، أما الأول: فَهُوَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ، واسْمه: سُلْمى- بِالضَّمِّ- قَالَ غنْدر: كَذَّاب. وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ عَلّي: ضَعِيف لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَعلي بن الْجُنَيْد: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنكر ومتروك.
وَأما الثَّانِي: فَهُوَ شهر بن حَوْشَب، وَهُوَ من عُلَمَاء التَّابِعين، وَفِيه مقَال، وثَّقه أَحْمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَيَعْقُوب بن شيبَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا هُوَ بِدُونِ أبي الزبير، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ. وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بآخر، وَأخرج التِّرْمِذِيّ حَدِيثه عَن أم سَلمَة: «أَنه- عَلَيْهِ السَّلَام- جَلَّل الْحسن، وَالْحُسَيْن، وعليا، وَفَاطِمَة بكساء..» الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: حسن صَحِيح.
وَأخرج لَهُ الْحَاكِم فِي كتاب الْقرَاءَات من مُسْتَدْركه حَدِيثا، وَقَالَ: لم أخرج لَهُ فِي كتابي غَيره.
وَقَالَ ابْن القَطَّان: لم أسمع لمضعفيه حجَّة، وَمَا ذَكرُوهُ إمَّا لَا يَصح، وإمَّا خَارج عَلَى مخرج لَا يضرّهُ، وَأخذ الخريطة: كذبٌ عَلَيْهِ، وتَقَوُّل شَاعِر أَرَادَ عَيبه.
وَقَالَ النَّسَائِيّ، وَغَيره: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات المعضلات، وَعَن الْأَثْبَات المقلوبات عَادَلَ عباد بن مَنْصُور فِي الْحَج، فَسرق عيبته، فَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الْقَائِل:
لَقَدْ بَاعَ شهرٌ دينه بخريطةٍ ** فَمَنْ يَأْمَن الْقُرَّاء بعْدك يَا شهرُ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَالَّذِي رَأينَا فِي التَّارِيخ: أَنه أَخذ تِلْكَ الخريطة من بَيت المَال- وَكَانَ عَاملا عَلَيْهِ- وَذَلِكَ أَمر قريب. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد قَالَ يَحْيَى بن أبي بكر الكِرماني، عَن أَبِيه: كَانَ شهر بن حَوْشَب عَلَى بَيت المَال، فَأخذ خريطة فِيهَا دَرَاهِم، فَقَالَ الْقَائِل: لقد بَاعَ شهر.. الْبَيْت.

وَقَالَ مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ: قَالَ عَلّي بن مُحَمَّد: قَالَ أَبُو بكر الْبَاهِلِيّ: كَانَ شهر بن حَوْشَب عَلَى خَزَائِن يزِيد بن الْمُهلب، فَرفعُوا عَلَيْهِ أَنه أَخذ خريطة، فَسَأَلَهُ يزِيد عَنْهَا، فَأَتَى بهَا، فَدَعَا يزِيد الَّذِي رفع إِلَيْهِ فشتمه، وَقَالَ لشهر: هِيَ لَك. قَالَ: لَا حَاجَة لي فِيهَا.
فَقَالَ الْقطَامِي الْكَلْبِيّ- وَيُقَال: سِنَان بن مكبل النميري-:
لَقَدْ بَاعَ شهرٌ دينَه بخريطةٍ ** فَمَنْ يَأْمَن الْقُرَّاء بعْدك يَا شهرُ

أخذت بهَا شَيْئا طفيفًا وبعته ** من ابْن جرير إِن هَذَا هُوَ الغدرُ

وَنقل النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب- قبيل الْكَلَام عَلَى غسل الْوَجْه- عَن الْأَكْثَرين توثيقه، وَأَن الْجرْح كَانَ مُسْتَندا إِلَى مَا لَيْسَ بجارح.

.الحديث السَّادِس:

«سُئِلَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أفضلت الحُمُر؟ قَالَ: نعم، وَبِمَا أفضلت السِبَاعُ كُلُّها».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن أَبِيه، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: «قيل: يَا رَسُول الله، أَنَتَوَضَّأُ...» الحَدِيث، كَمَا ذكر المُصَنّف.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنده عَن سعيد بن سَالم- وَهُوَ القَدَّاح-
عَن ابْن أبي حَبِيبَة- أَو ابْن حَبِيبَة- عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن جَابر بِهِ. وَهَذَا الشَّك فِي أَنه ابْن أبي حَبِيبَة أَو ابْن حَبِيبَة، شكٌ من الرّبيع، كَمَا رَوَاهُ الْأَصَم، وَالرجل هُوَ: ابْن أبي حَبِيبَة بِلَا شكّ. وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن النَّيْسَابُورِي عَن الرّبيع، فَقَالَ: ابْن أبي حَبِيبَة بِلَا شكّ، لَكِن لَفظه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ بِمَا أفضلت السبَاع».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ- بعد أَن أخرجه من طَرِيق الشَّافِعِي الأولَى-: وَفِي غير روايتنا، قَالَ الشَّافِعِي: وأُخْبِرنا عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن دَاوُد بن الْحصين بِمثلِهِ. وَحَاصِل مَا يُعلَّل بِهِ هَذَا الحَدِيث وَجْهَان:
أَحدهمَا: الِاخْتِلَاف فِي إِسْنَاده، حَيْثُ رُوِيَ عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن جَابر، وَعَن دَاوُد عَن أَبِيه، عَن جَابر كَذَلِك.
رَوَاهُ جماعات: الزَّعْفَرَانِي، وَالربيع عَن الشَّافِعِي، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن دَاوُد بن الْحصين، وَابْن أبي ذِئْب عَن دَاوُد.
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند: فَيُشبه أَن تكون الرِّوَايَة الأولَى مُرْسلَة، قَالَ: وَيدل عَلَيْهِ أَنهم لم يذكرُوا فِي تَعْرِيف دَاوُد بن الْحصين رِوَايَته عَن جَابر، ولاغيره من الصَّحَابَة. وَذكر هَذَا التَّعْلِيل الإِمام أَبُو الْقَاسِم الرَّافِعِيّ فِي شرح الْمسند، وَهُوَ تَعْلِيل لَا يقْدَح؛ لِأَن الحَدِيث رُوي من طَرِيقين، إِحْدَاهمَا مَقْطُوعَة، وَالْأُخْرَى مُتَّصِلَة، وَالْحكم للمتصلة.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن فِي إِسْنَاده جمَاعَة تُكُلِّم فيهم:
أَوَّلهمْ: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، وَالْجُمْهُور عَلَى تَضْعِيفه، كَمَا مر فِي الْبَاب قبله، وصَرَّح ابْن عدي بِأَن الْبلَاء فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَة ابْن أبي يَحْيَى: كَأَنَّهُ أُتِي من قِبَل شَيْخه- يَعْنِي دَاوُد بن الْحصين- لَا من قبله. فَاخْتلف كَلَامه.
وثانيهم: سعيد بن سَالم القَدَّاح. أدخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الضُّعَفَاء وَقَالَ: إنَّه يُرمى بالإِرجاء. وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد: لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: ثِقَة. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ عِنْدِي صَدُوق.
وثالثهم: إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة الأشْهَلِي الْمدنِي. قَالَ البُخَارِيّ: عِنْده مَنَاكِير. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ أَحْمد: ثِقَة. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين مرّة: صَالح الحَدِيث. وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن عدي: هُوَ صَالح فِي بَاب الرِّوَايَة يكْتب حَدِيثه مَعَ ضعفه. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد كَاتب الْوَاقِدِيّ: كَانَ مصليًّا عابدًا، صَامَ سِتِّينَ سنة، وَكَانَ قَلِيل الحَدِيث. وأَعَلَّه الإِمام أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ بِوَجْه ثَالِث، فَقَالَ فِي كِتَابه التَّحْقِيق: دَاوُد بن الْحصين قَالَ فِيهِ ابْن حبَان: إِنَّه حَدَّث عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات، يجب مجانبة رِوَايَته.
قلت: هَذَا الْوَجْه لَيْسَ بِشَيْء، فإنَّ دَاوُد بن الْحصين، وإنْ كَانَ تَكَلَّم فِيهِ ابْن حبَان وَغَيره، فإنَّه ثِقَة مَشْهُور، رَوَى لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا عَلَى سَبِيل الِاحْتِجَاج بِهِ، وَرَوَى عَنهُ الإِمام مَالك، وَقد عُلِمَ شدَّة تحرِّيه فِي الرِّجَال، وَلأَجل ذَلِك قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لَوْلَا أنَّ مَالِكًا رَوَى عَنهُ لتُرك حَدِيثه. ووثَّقه يَحْيَى بن معِين وَغَيره. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: إِذا رَوَى عَنهُ ثِقَة فَهُوَ صَالح الرِّوَايَة، إلاَّ أَن يروي عَنهُ ضَعِيف، فَيكون الْبلَاء مِنْهُ، مثل: ابْن أبي حَبِيبَة، وَإِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى. مَعَ أَن ابْن حبَان ذكره فِي كتاب الثِّقَات لَكِن رَمَاه بِأَنَّهُ كَانَ يذهب مَذْهَب الشراة- يَعْنِي الْخَوَارِج- لَكِن لم يكن دَاعِيَة حَتَّى يُجْتَنَب مَا رَوَاهُ.
قلت: ووالد دَاوُد ضَعَّفه أَبُو حَاتِم وَغَيره. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: هَذَا الحَدِيث إِذا ضُمَّت أسانيده بَعْضهَا إِلَى بعض أخذت قُوَّة. قَالَ: وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيث أبي قَتَادَة، وَإِسْنَاده صَحِيح، والاعتماد عَلَيْهِ.

.الحديث السَّابِع:

«أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِب فَرَسًا مُعْروريًا لأبي طَلْحَة».
هَذَا حَدِيث صَحِيح، مُتَّفق عَلَى صِحَّته، رَوَاهُ إِمَامًا الْمُحدثين: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج الْقشيرِي رضوَان الله عَلَيْهِمَا فِي صَحِيحَيْهِمَا، من رِوَايَة أنس بن مَالك- خَادِم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي رُزِق ببركة دُعَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أكثرَ من مائَة وَعشْرين ولدا، وَتحمل نخله فِي السّنة مرَّتَيْنِ، وَكَانَ يجيدُ الرَّمْي عَلَى كبر سِنِّه. أَفَادَ ذَلِك كُله الرَّافِعِيّ فِي أَمَالِيهِ وَغَيره. قَالَ: وَلما طَال عمره كَانَ يشد أَسْنَانه بِالذَّهَب، وَهُوَ آخر الصَّحَابَة موتا بِالْبَصْرَةِ.
قلت: وَرَوَى الحَدِيث الَّذِي ذكره المُصَنّف: مُسلم، من رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة بن جُنَادَة بن جُنْدُب العامري السوَائِي، حَلِيف بني زهرَة، وخَاله سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
وَاعْلَم أَنه وَقع فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: «ركب فرسا لأبي طَلْحَة عُرْيًا». وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «مُعْرَوْرًا» فَالْأول: بِضَم الْعين، وَسُكُون الرَّاء. وَالثَّانِي: بِضَم الْمِيم. قَالَ صاحبا الْمَشَارِق، والْمطَالع: أَي لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْج، وَلَا أَدَاة. قَالاَ: وَلَا يُقال مثل هَذَا فِي الْآدَمِيّين، وإنَّما يُقال: عُرْيَان، وَلَا يُقَال: افعوعل، معدًّى إلاَّ فِي:
اعروريت الْفرس، واحلوليت الشَّيْء.
وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ: معروريًا، بِزِيَادَة يَاء بعد الرَّاء، وَالْمَعْرُوف مَا ذَكرْنَاهُ مِنْهُم، هُوَ اسْم فَاعل.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّ أَبَا طيبةَ الحَجَّام شَرِبَ دمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُنْكِرْ عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، لَا أعلم من خَرَّجه بعد شدَّة الْبَحْث عَنهُ. قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: هَذَا الحَدِيث غَرِيب عِنْد أهل الحَدِيث، لم أجدْ لَهُ مَا يثبت بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث مَعْرُوف، لكنه ضَعِيف.
قلت: فِي تَارِيخ الْمَجْرُوحين لِابْنِ حبَان، بِإِسْنَادِهِ عَن نَافِع، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: «حَجَمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غلامٌ لبَعض قُرَيْش، فَلَمَّا فرغ من حجامته، أَخذ الدَّم فَذهب بِهِ من وَرَاء الْحَائِط، فَنظر يَمِينا وَشمَالًا، فلمَّا لَمْ يَرَ أحدا تَحَسَّى دَمه حتَّى فرغ، ثمَّ أقبل، فَنظر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه، فَقَالَ: وحيك مَا صنعت بِالدَّمِ؟ قلت: غيبته من وَرَاء الْحَائِط. قَالَ: أَيْن غيبته؟ قلت: يَا رَسُول الله، نَفِسْتُ عَلَى دمك أَن أهريقه فِي الأَرْض، فَهُوَ فِي بَطْني. قَالَ: اذْهَبْ فقد أحرزت نَفسك من النَّار». فَلَعَلَّ هَذَا الْغُلَام الْمُبْهم هُوَ أَبُو طيبَة. لَكِن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف جدا. قَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِنَافِع، رَوَى عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة نُسْخَة مَوْضُوعَة مِنْهَا هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ يَحْيَى: كَذَّاب. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوك. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: هَذَا حَدِيث لَا يَصح.
وَوَقع فِي الْوَسِيط لحجَّة الإِسلام الْغَزالِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي طيبَة عِنْد شرب الدَّم: إِذن لَا ييجع بَطْنك أبدا».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: ييجع بَطْنك: بِفَتْح الْجِيم، وَفِيه وَجْهَان:
أَحدهمَا: ييجع بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت فِي أَوله، وَالرَّفْع فِي بَطْنك، عَلَى أَن يكون الْفِعْل لبطنه.
وَالثَّانِي: تيجع بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوق، وَنصب بَطْنك، عَلَى أَن يكون الْفِعْل لأبي طيبَة. قَالَ: ثمَّ النصب فِيهِ عَلَى التَّمْيِيز أَو نزع الْخَافِض؟ فِيهِ من الْخلاف مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا من سفه نَفسه}. قَالَ: وَقد حققت ذَلِك من مَعْنَى مَا ذكره الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب. وَوَقع فِي الرَّافِعِيّ: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي طيبَة بَعْدَمَا شرب الدَّم: لَا تَعُدْ، الدَّم كُله حرَام» وَلم أر من رَوَى ذَلِك فِي حَدِيثه.
قلت: وَأَبُو طيبَة اسْمه: نَافِع، وَقيل: ميسرَة، وَقيل: دِينَار. كَانَ عبدا لبني بياضة، صحَّ أَنه حجمه، وكلَّم أَهله أَن يخففوا عَنهُ من خراجه، كَمَا سَيَأْتِي فِي آخر بَاب الْأَطْعِمَة- حَيْثُ ذكره المُصَنّف- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
نعم ورد هَذَا فِي حق أبي هِنْد، سَالم بن أبي الْحجَّاج الصَّحَابِيّ، قيل: اسْمه سِنَان، قَالَ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة: ثَنَا مُحَمَّد، ثَنَا مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن الهمذاني، ثَنَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، ثَنَا الْقَاسِم بن الحكم العُرَنِي، عَن يُوسُف بن صُهَيْب، ثَنَا أَبُو الجَحَّاف، عَن سَالم، قَالَ: «حجمت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فلمَّا وليت المِحْجَمة عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شربته، فَقلت: يَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شربته، فَقَالَ: وَيحك يَا سَالم، أما علمت أَن الدَّم حرَام؟! لَا تَعُدْ».
قَالَ أَبُو نعيم: وَرَوَاهُ سعيد بن وَاقد، وَالْخضر بن مُحَمَّد بن شُجَاع، عَن عفيف بن سَالم، عَن يُوسُف بن صُهَيْب.
قلت: وَأَبُو الجحاف هَذَا هُوَ: دَاوُد بن أبي عَوْف، فِيهِ خلاف، وَثَّقَهُ يَحْيَى. وَقَالَ أَحْمد: حَدِيثه مقارِب. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: زائغ ضَعِيف.
وَذكر أَبُو نعيم أَيْضا فِي تَرْجَمَة الْحَارِث بن مَالك، مولَى أبي هِنْد الحجَّام: «أَنه حجم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وشفع لَهُ فِي خراجه عَلَيْهِ السَّلَام»، فَقَالَ: مِنْهُم من قَالَ: حجمه غُلَام لبني بياضة، وَمِنْهُم من قَالَ: أَبُو طيبَة، وَمِنْهُم من قَالَ: أَبُو هِنْد الْحَارِث بن مَالك.
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: وَرُوِي أَيْضا عَن عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه شرب دم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الْبَزَّار فِي مُسْنده من حَدِيث هنيد بن الْقَاسِم، عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير، عَن أَبِيه، قَالَ: «احْتجم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَانِي الدَّم فَقَالَ: اذْهَبْ فَغَيِّبْه. فَذَهَبت فَشَربته، ثمَّ أتيت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي: مَا صنعت؟ قلت: غيبته، قَالَ: لَعَلَّك شربته؟ قلت: شربته».
هنيد لَا يعلم لَهُ حَال، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: لَيْسَ فِي إِسْنَاده من يحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن حَاله إلاَّ هُوَ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير بالسند الْمَذْكُور، وَلَفظه: «أَن عبد الله بن الزبير أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحتجم، فَلَمَّا فرغ قَالَ: يَا عبد الله، اذْهَبْ بِهَذَا الدَّم، فأهرقه حَيْثُ لَا يرَاهُ أحد. فلمَّا برزتُ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَدت إِلَى الدَّم فحسوته، فلمَّا رجعت إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا صنعت يَا عبد الله؟ قَالَ: جعلته فِي مَكَان ظَنَنْت أَنه خافٍ عَلَى النَّاس. قَالَ: فلعلك شربته؟ قلت: نعم، قَالَ: من أَمرك أَن تشرب الدَّم؟ ويلٌ لَك من النَّاس، وويل للنَّاس مِنْك».
وَرَوَاهُ أَيْضا الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فِي مَنَاقِب عبد الله بن الزبير من كتاب الْفَضَائِل، عَن إِبْرَاهِيم بن عصمَة بن إِبْرَاهِيم، ثَنَا السّري بن خُزَيْمَة، نَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، نَا هنيد بن الْقَاسِم بن مَاعِز، قَالَ: سَمِعت عَامر بن عبد الله بن الزبير يحدث، أنَّ أَبَاهُ حدَّثه، «أَنه أَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يحتجم..» الحَدِيث كَمَا سَاقه الطَّبَرَانِيّ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي الخصائص، من كتاب النِّكَاح، من الطَّرِيق الْمَذْكُورَة، وَلَفظه: «احْتجم رَسُول الله وَأَعْطَانِي دَمه فَقَالَ: اذْهَبْ فوارِهِ، لَا يبْحَث عَنهُ سبع، أَو كلب، أَو إِنْسَان. قَالَ: فتنحيتُ، فَشَربته، ثمَّ أتيت رَسُول الله فَقَالَ: مَا صنعتَ؟ قلت: صنعت الَّذِي أَمرتنِي بِهِ، قَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا قد شربته. قلت: نعم. قَالَ: مَاذَا تلقى أمتِي مِنْك».
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَزَادَنِي بعض أَصْحَاب الحَدِيث عَن أبي سَلمَة، قَالَ: فَيَرَوْنَ أَن الْقُوَّة الَّتِي كَانَت فِي ابْن الزبير من قُوَّة دم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ورُوِي ذَلِك من وَجه آخر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر، وَعَن سلمَان، فِي شرب ابْن الزبير دَمه.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فِي سنَنه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، نَا مُحَمَّد بن حميد، نَا عَلّي بن مُجَاهِد، نَا رَبَاح النوبي، أَبُو مُحَمَّد مولَى آل الزبير، قَالَ: سَمِعت أَسمَاء ابْنة أبي بكر تَقول للحجاج: «إنَّ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم، فَدفع دَمه إِلَى ابْني، فشربه، فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَأخْبرهُ، فَقَالَ: مَا صنعت؟ قَالَ: كرهت أَن أصبَّ دمك. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تمسك النَّار، وَمسح عَلَى رَأسه وَقَالَ: ويل لَك من النَّاس».
قَالَ عبد الْحق عقب هَذِه الرِّوَايَة: عَلّي بن مُجَاهِد ضَعِيف، وَلَا يَصح.
وَرَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه عَن مُحَمَّد بن حميد، نَا عَلّي بن مُجَاهِد، كَمَا سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا ومتنًا، إلاَّ أَنه زَاد:
«وويل للنَّاس مِنْك».
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام بَعْدَمَا أخرجه: يحْتَاج إِلَى الْكَشْف عَن حَال رَبَاح الْمَذْكُور.
قلت: رَبَاح هَذَا ذكره الْحَافِظ أَبُو عبد الله الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان، وَقَالَ: لَيَّنه غير وَاحِد، وَلَا يُدْرَى من هُوَ. فَإِذا عرفت هَذَا الحَدِيث من جَمِيع طرقه قضيتَ الْعجب من قَول الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: إنَّ حَدِيث عبد الله بن الزبير هَذَا لم نجدْ لَهُ أصلا بالكُلِّيَّة.
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: ويُروى عَن عليٍّ- كَرَّم الله وَجهه- أَنه شرب دم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: هَذَا غَرِيب مِنْهُ، لَا أعلم مَنْ خَرَّجه بعد الْبَحْث عَنهُ.
وَقد رُوِيَ أَن سفينة شرب دَمه- عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام- فَفِي ضعفاء ابْن حبَان، والصَّحَابَة لأبي نعيم، بإسنادهما إِلَى إِبْرَاهِيم بن عمر بن سفينة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «احْتجم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَانِي دَمه فَقَالَ: اذْهَبْ فواره. فَذَهَبت فَشَربته، فَرَجَعت فَقَالَ: مَا صنعت فِيهِ؟ فَقلت: واريته- أَو قلت: شربته- قَالَ: احترزت من النَّار».
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق ابْن عدي، بِلَفْظ الطَّبَرَانِيّ الْآتِي، إلاَّ أنَّه قَالَ: «من الدَّوَابّ وَالطير»، أَو قَالَ: «النَّاس وَالدَّوَاب». شكَّ ابْن أبي فديك.
لكنه حَدِيث ضعيفٌ، قَالَ ابْن حبَان: إِبْرَاهِيم هَذَا يُخَالف الثِّقَات فِي الرِّوَايَات، يروي عَن أَبِيه مَا لَا يُتابع عَلَيْهِ من رِوَايَة الْأَثْبَات، فَلَا يحل الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ.
وَقَالَ ابْن عدي: أَحَادِيثه لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا الثِّقَات، وَأَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ: إِسْنَاده مَجْهُول. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: حَدِيث لَا يَصح.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث بُرَيْه بن عمر بن سفينة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: «احْتجم فَقَالَ: خُذ هَذَا الدَّم، فادفنه من الدَّوَابّ وَالطير وَالنَّاس. فتغيبتُ، فَشَربته، ثمَّ ذكرت ذَلِك لَهُ، فضحِك». وبُرَيْه هُوَ إِبْرَاهِيم، فحَقِّقه.
وشربه أَيْضا: مَالك بن سِنَان- وَالِد أبي سعيد الْخُدْرِيّ- كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِسَنَد الإِمام أَحْمد بن حَنْبَل إِلَيْهِ، قَالَ: «لمَّا أُصِيب وَجه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أُحد، استَقْبَلتُه، فمصصت جرحه، ثمَّ ازدردته، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحبَّ أَن ينظرَ إِلَى من خالطَ دمي دَمه، فَلْينْظر إِلَى مَالك بن سِنَان».
وَفِيه مَجَاهِيل لَا أعرفهم بعد الْكَشْف عَنْهُم.